فصل: ما وقع من أحداث سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)



.ما وقع من أحداث سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة:

ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة:
في المحرم منها، توفي الشيخ الكبير العابد المقري، أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي محمد بن سلطان القرامزي الحنبلي، بجوبر ودفن بتربة له جوار قبة القلندرية بدمشق، وكان مشهوراً بالمشيخة، يتردد إليه الناس، سمع من ابن أبي يسر، وابن عساكر، وحدث بدمشق ومصر، وقرأ بالروايات على الشيخ حسن صقلي.
ومات الأمير الكبير علم الدين الدميثري، ولي نيابة قلعة دمشق مدة. وحصل بحمص سيل عظيم هلك به خلائق، ومات بحمام تنكز بها نحو مائتي، امرأة وصغير وصغيرة، وجماعة رجال دخلوا ليخلصوا النساء، وهلك بعض متفرجين بالجزيرة، وانهدمت دار المستوفي، وهلك ابنه، وصاروا يخرجون الموتى من بواليع الحمام والقمين، وكان بالحمام عروس، فلهذا أكثر النساء الحمام.
ومات بمصر الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي، وزر ببصر، وحج بالمصريين.
ومات السلطان الملك المؤيد إسماعيل ابن الملك الأفضل علي، صاحب حماة، مؤلف هذا التاريخ وله تصانيف حسنة مشهورة، منها أصل هذا الكتاب ونظيم الحاوي، وشرحه شيخنا قاضي القضاة شرف الدين ابن البارزي شرحاً حسناً، وله كتاب تقويم البلدان، وهو حسن في بابه، تسلطن بحماة في أول سنة عشرين بعد نيابتها، رحمه الله تعالى، وكان سخياً محباً للعلم والعلماء، متقناً يعرف علوماً، ولقد رأيت جماعة من ذوى الفضل يزعمون أنه ليس في الملوك بعد المأمون أفضل منه، رحمه الله تعالى.
وفيها في صفر مات قاضي الجزيرة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن نصر الشافعي، وكان له تعلق بالدولة، ومكاتبة من بلده، ثم تحول إلى دمشق.
وفيه أتملك حماة السلطان الملك الأفضل ناصر الدين محمد ابن الملك المؤيد على قاعدة أبيه، وهو ابن عشرين سنة.
وفيها في ربيع الأول مات بالقاهرة القاضي الإمام المحدث، تاج الدين أبو القاسم عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي بن عوض السعدي سعد خدام الشافعي، ولد سنة خمسين تفقه وقرأ النحو على الأمين المحلي، وسمع من ابن عزون، وابن علان، وجماعة وارتحل فلقى بالثغر عثمان ابن عوف، وعمل معجمه في ثلاث مجلدات، وأجاز له ابن عبد الدائم، وروى الكثير، وخرج أربعين تساعيات، وأربعين مسلسلات، وكان حسن الخط والضبط، متقناً، ولي مشيخة الحديث بالصاحبية، وأفتى، وذكر أنه كتب بخطه أزيد من خمسمائة مجلد.
ومات بدمشق العلامة رضى الدين إبراهيم بن سليمان الرومي الحنفي، المعروف المنطقي، بدمشق بالنورية، وكان ديناً متواضعاً محسناً إلى تلامذته، حج سبع مرات.
ومات الأمير علاء الدين طنبغا السلحدار، عمل نيابة حمص، ثم نيابة غزة وبها مات، وحج بالشاميين سنة إحدى عشرة وسبعمائة نيابة.
ومات بمكة خطيبها الإمام بهاء الدين محمد ابن الخطيب تقي الدين عبد الله ابن الشيخ المحب الطبري، له نظم ونثر وخطب، وفيه كرم ومروءة وفصاحة، وخطب بعده أخوه التاج علي.
وفيها في ربيع الآخر، ركب بشعار السلطنة، الملك الأفضل الحموي بالقاهرة، وبين يديه الغاشية، ونشرت العصائب السلطانية والخليفية على رأسه، وبين يديه الحجاب، وجماعة من الأمراء، وفرسه بالرقبة وبالشبابة، وصعد القلعة هكذا.
وفيها في جمادى الأولى، مات قاضي القضاة بدمشق، شرف الدين أبو محمد عبد الله ابن الإمام شرف الدين حسن ابن الحافظ أبي موسى ابن الحافظ الكبير عبد الغني المقدسي الحنبلي فجأة، كان شيخاً مباركاً.
ومات فخر الدين علي بن سليمان بن طالب بن كثيرات بدمشق.
ومات بالإسكندرية الصالح، القدوة، الشيخ ياقوت الحبشي الإسكندري الشاذلي، وكانت جنازته مشهورة، وقد جاوز الثمانين، كان من أصحاب أبي العباس المرسي.
وفيها في رجب مات الإمام الصالح. عز الدين عبد الرحمن ابن الشيخ العز إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر المقدسي الحنبلي، سمع أباه وابن عبد الدائم وجماعة، وكان خيراً بشوشاً، رأساً في الفرائض.
ومات بدمشق الناصح محمد بن عبد الرحيم بن قاسم الدمشقي النقيب الجنائزي، وكان خبيراً بألقاب الناس، يحصل الدراهم والخلع، ويتقيه الناس، عفا الله عنه.
ومات بمصر فخر الدين بن محمد بن فضل الله، كاتب المماليك ناظر الجيوش المصرية كان له بر، وعدمه الناس، وعرفوا قدره بوفاته، فإنه كان يشير على السلطان بالخيرات، ويرد عن الناس أموراً معظمات قلت:
وكم أمور حدثت بعده ** حتى بكت حزناً عليه الرتوت

لو لم يمت ما عرفوا قدره ** ما يعرف الإنسان حتى يموت

سمع من ابن الأبرقوهي واحتيط على حواصله.
ومات شيخ القراء شهاب الدين أحمد بن محمد بن يحيى بن أبي الحزم، سبط السلعوس النابلسي، ثم الدمشقي، بستانه ببيت لهيا وكان ساكناً وقوراً.
ومات بمصر الأمير سيف الدين أبجية الدواتدار، الناصري، الفقيه الحنفي، كهلاً وولي المنصب بعده الأمير صلاح الدين يوسف بن الأسعد، ثم عزل بعد مدة.
وفيها في شعبان، كان عرس الملك محمد ابن السلطان على زوجته بنت بكتمر الساقي، وسوارها ألف ألف دينار مصرية، وذبح خيل وجمال وبقر وغنم وإوز ودجاج، فوق عشرين ألف رأس، وحمل له ألف قنطار شمع، وعقد له ثمانية عشر ألف قنطار حلوى سكرية، وأنفق على هذا العرس أشياء لا تحصى.
ومات بالقاهرة، جمال الدين محمد بن بدر الدين محمد بن جمال الدين محمد بن مالك الطائي الجياني، بلغ الخمسين، وسمع من ابن النجاري جزءاً، خرجه له عمه، وله نظم جيد، ولم يحدث.
ومات الأمير سيف الدين ساطي، صهر سلار، من العقلاء، وفيه ديانة، وله حرمة وافرة.
ومات بدمشق أمين الدين سليمان بن داود، الطبيب، تلميذ العماد الدنيسري، كان سعيداً في علاجه، وحصل أموالاً، قلت:
مات سليمان الطبيب الذي ** أعده الناس لسوء المزاج

لم يفده طب ولم يغنه ** علم ولم ينفعه حسن العلاج

كان مقدماً على المداواة، ودرس بالدخوارية مدة، وعاش نحو سبعين سنة.
وفيه طغى ماء الفرات وارتفع ووصل إلى الرحبة، وتلفت زروع، وانكسر السكر بدير بسير، كسراً ذرعه اثنان وسبعون ذراعاً، وحصل تألم عظيم، وعملوا السكر فلما قارب الفراغ انكسر منه جانب، وغلت الأسعار بهذا السبب، وتعب الناس بصعوبة هذا العمل.
وفيها في رمضان، أمر بدمشق، الأمير علي ابن نائب دمشق، سيف الدين تنكز، ولبس الخلعة عند قبر نور الدين الشهيد، المشهور بإجابة الدعاء عنده، ومشى الأمراء في خدمته إلى العتبة السلطانية فقبلها، وفيه نقل من دمشق إلى كتابة السر بالأبواب السلطانية القاضي شرف الدين أبو بكر بن محمد بن الشيخ شهاب الدين محمود، ونقل إلى دمشق القاضي محي الدين بن فضل الله ولده.
ومات بدمشق فجأة الأمير سيف الدين بلبان العنقاري الزراق، الساكن بالسبعة، وقد جاوز السبعين، من أمراء الأربعين.
ومات شيخ القراء ذو الفنون، برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري الشافعي، بالخليل، ومولده سنة أربعين وستمائة وتصانيفه كثيرة، اشتغل ببغداد، وقرأ التعجيز على مصنفه بالموصل، و أقام شيخاً أربعين سنة.
ومات بمصر الأمير سيف الدين سلامش الظاهري أمير خمسين، وقد قارب التسعين، وكان ديناً صالحاً. وفيها في شوال، توجه السلطان للحج بأهله ومعظم أمرائه، في حشمة عظيمة. ومات الإمام شهاب الدين أبو أحمد عبد الرحمن بن محمد بن عسكر المالكي، مدرس المستنصرية ببغداد، وله مصنفات في الفقه، وكان حسن الأخلاق، ولد في سنة أربع وأربعين بباب الأزج.
وفيها في ذي القعدة مات قاضي القضاة، علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران السعدي المصري ابن الأحناني، بالعادلية بدمشق، ودفن بسفح قاسيون، كان من شهود الخزانة بمصر، ثم جعل حاكماً بالإسكندرية، ثم بدمشق، وكتب الحكم لابن دقيق العيد، ولازم الدمياطي مدة، وسمع من أبي بكر بن الأنماطي وجماعة، ومولده عاشر رجب، سنة أربع وستين، وكان عفيفاً فاضلاً عاقلاً نزهاً متديناً محباً للحديث والعلم شرح بعض كتاب البخاري.
وفيه وفي النيل، قبل النيروز بثلاثة وعشرين يوماً، وبلغ أحد عشر من تسعة عشر وهذا لم يعهد من ستين سنة، وغرق أماكن، وأتلف للناس من القصب ما يزيد على ألف ألف دينار، وثبت على البلاد أربعة أشهر.
وفيها في ذي الحجة، مات قطب الدين موسى بن أحمد بن حسان ابن شيخ اللامية، وكان ناظر الجيش الشامي، ومرة المصري، ودفن بتربة أنشأها بجنب جامع الأفرم، وعاش اثنتين وسبعين، ورثاه علاء الدين بن غانم.
ومات الشيخ الصالح المقرئ شمس الدين محمد بن النجم أبي تغلب بن أحمد بن أبي تغلب الفاروثي، ويعرف بالمربي، جاوز الثمانين، كان معلماً في صنعة الإقباع، ويقرئ صبيانه، ويتلو كثيراً، قرأ بالسبع على الكمال المحلي قديماً.
ومات العلامة الخطب جمال الدين يوسف بن محمد بن مظفر بن حماد الحموي الشافعي خطيب جامع حماة، كان عالماً ديناً سمع جزء الأنصاري من مؤمل البالسي، والمقداد القيسي، وحدث، واشتغل وأفتى، وكان على قدم من العبادة والإفادة، رحمه الله تعالى.
ومات العلامة شمس الدين أبو محمد عبد الرحمن بن قاضي القضاة، الحافظ سعد الدين مسعود ابن أحمد الحارثي، بالقاهرة، تصدر للإقراء، وحج مرات، وجاور وسمع من العز الحراني وجماعة، وكان ذا تعبد وتصون وجلالة، قرأ النحو على ابن النحاس والأصول على ابن دقيق العيد، ومولده سنة إحدى وسبعين، وولي بعده تدريس المنصورية، قاضي القضاة، تقي الدين. ومات كبير أمراء سيف الدين، بكتمر الناصري الساقي، بعد قضاء حجه، وابنه الأمير أحمد أيضاً، وخلف ما لا يحصى كثرة، ماتا بعيون القصيب. بطريق مكة، ونقلا إلى تربتهما بالقرافة.

.ما وقع من أحداث سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة:

ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة:
فيها في المحرم أطلق الصاحب شمس الدين غبريال. بعد مصادرة كثيرة.
ومات بدمشق نقيب الأشراف، شرف الدين عدنان الحسين ولي النقابة على الأشراف بعد موت أبيه، واستمر بها تسع عشرة سنة، وهم بيت تشيع.
وفيها في صفر، وصل الخبر بموت محدث بغداد، تقي الدين محمود بن علي بن محمود بن مقبل الدفوقي، كان يحضر مجلسه خلق كثير لفصاحته وحسن آدابه، وله نظم وولي مشيخة المستنصرية، وحدث عن الشيخ عبد الصمد وجماعة وكان يعظ، وحمل نعشه على الرؤوس، وما خلف درهماً.
وفيه قدم أمين الملك، عبد الله الصاحب، على نظر دمشق، وهو سبط السديد الشاعر.
ومات بدمشق، الشيخ كمال الدين عمر بن إلياس المراغي كان عالماً عابداً سمع منهاج البيضاوي من مصنفه.
وفيها في ربيع الأول ولي القضاء بدمشق، العلامة جمال الدين يوسف جملة، بعد الإخنائي.
وفيها في ربيع الآخر، توجه القاضي محي الدين بن فضل الله وابنه إلى الباب الشريف، وتحول إلى موضعه بدمشق، القاضي شرف الدين أبو بكر بن محمد ابن الشهاب محمود، وولي نقابة الأشراف بدمشق عماد الدين موسى بن عدنان.
وفي خامس عشر شعبان من سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، دخل الأمير بدر الدين لؤلؤ القندشي إلى حلب، شاداً على المملكة، وعلى يده تذاكر، وصادر المباشرين وغيرهم، ومنهم النقيب بدر الدين محمد بن زهرة الحسيني، القاضي جمال الدين سليمان بن ريان ناظر الجيش، وناصر الدين محمد بن قرناص عامل الجيش، وعمه المحبي عبد القادر عامل المحلولات، والحاج إسماعيل بن عبد الرحمن العزازي، والحاج علي بن السقاء، وغيرهم. واشتد به الخطب وانزعج الناس كلهم، حتى البريئون، وقنت الناس في الصلوات وقلت في ذلك:
قلبي لعمر الله معلول ** بما جرى للناس مع لولو

يا رب قد شرد عنا الكرا ** سيف على العالم مسلول

وما لهذا السيف من مغمد ** سواك يا من لطفه السول

كان هذا لؤلؤ مملوكاً لقندش ضامن المكوس بحلب، ثم ضمن هو بعد أستاذه المذكور، ثم صار ضامن العداد، ثم صار أمير عشرة، ثم أمير طبلخانات، ثم صار ما صار، ثم أنه عزل ونقل إلى مصر، وأراح الله أهل حلب منه، فعمل بمصر أقبح عمله بحلب، وتمكن وعاقب حتى نساء مخدرات، وصادر خلقاً.
وفيها في جمادى الأولى مات عز القضاة فخر الدين بن المنير المالكي، من العلماء ذوى النظم والنثر، وألف تفسيراً وأرجوزة في السبع.
ومات قاضي المجدل، بدر الدين محمد بن تاج الدين الجعبري.
ومات قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الكناني الحموي بمصر، له معرفة بفنون، وعدة مصنفات، حسن المجموع، كان ينطوي على دين وتعبد، وتصون وتصوف، وعقل ووقار، وجلالة وتواضع، درس بدمشق، ثم ولي قضاء القدس، ثم قضاء الديار المصرية، ثم قضاء الشام، ثم قضاء مصر، وولي مشيخة الحديث بالكاملية، ومشيخة الشيوخ، وحمدت سيرته ورزق القبول من الخاص والعام، وحج مرات وتنزه عن معلوم القضاء لغناه مدة، وقل سمعه في الآخر قليلاً فعزل نفسه، ومحاسنه كثيرة ومن شعره:
لم أطلب العلم للدنيا التي ابتغيت ** من المناصب أو للجاه والمال

لكن متابعة الأسلاف فيه كما ** كانوا فقدر ما قد كان عن حالي

وفيها في جمادى الآخرة، مات الرئيس تاج الدين طاولت بن نصير الدين ابن الوجيه بن سويد بدمشق، حدث عن عمر القواس، وعاشق خمسين سنة، وهو سبط الصاحب جمال الدين بن صصري، وكان فيه دين وبر، وله أموال.
ومات العلامة مفتي المسلمين شهاب بن أحمد بن جهبل الشافعي بدمشق، درس بالصلاحية، وولي مشيخة الظاهرية، ثم تدريس الباذرائية وله محاسن وفضائل.
ومات الأمير علم الدين طرقشي المشد بدمشق.
وفيها في رجب مات الشيخ الإمام القدوة تاج الدين بن محمود الفارقي بدمشق، وعاش ثلاثاً وثمانين سنة، وكان عابداً عاقلاً فقيهاً، عفيف النفس، كبير القدر، ملازماً للجامع، عالج الصرف مدة، ثم ترك وأتجر في البضائع، وحدث عن عمر بن القواس وغيره.
ومات صاحبنا الأمير شهاب الدين أحمد بن بدر الدين حسن بن المرواني نائب بعلبك، ثم والي البر بدمشق، وكان فيه دين كثير التلاوة محباً للفضل والفضلاء، ولي ولده النيابة بقصير أنطاكية طويلاً وبها مات.
وفيها في شعبان مات الخطيب بالجامع الأزهر، علاء الدين بن عبد المحسن ابن قاضي العسكر، المدرس بالظاهرية والأشرفية، بالديار المصرية. وفيه دخل القاضي تاج الدين محمد ابن الزين حلب، متولياً كتابة السر، ولبس الخلعة وباشر وأبان عن تعفف عن هدايا الناس.
وفيها في رمضان، مات بدمشق الأمير علاء الدين أوران الحاجب، وكان ينطوي على ظلم من أولاد الأكراد.
ومات بحماة زين الدين عبد الرحمن بن علي بن إسماعيل بن البارزي المعروف بابن الولي، كان وكيل بيت المال بها، وبنى بها جامعاً، وكانت له مكانة ومروءة ومنزلة عند صاحب حماة.
ومات مسند الشام المعمر تاج الدين أبو العباس أحمد بن المحدث تقي الدين إدريس كان فيه خير وديانة.
ومات بحماة شيخ الشيوخ فخر الدين عبد الله بن التاج، كان صواماً عابداً، ذا سكينة، سمع من والده.
ومات الإمام المؤرخ شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب الشافعي بالقاهرة، وله تاريخ في ثلاثين مجلداً، كان ينسخ في اليوم ثلاثة كراريس، وفضيلته تامة، عاش خمسين سنة.
ومات الإمام جمال الدين حسين بن محمود الربعي البالسي بالقاهرة، قرأ بالروايات، وكان شيخ القراء، وله وظائف كثيرة، أمّ بالشجاعي، ثم أمّ بالسلطان نيفاً وثلاثين سنة، وكان عالماً كثير التهجد.
وفيها في ذي القعدة، أخذ حاجب العرب بدمشق، علي بن مقلد، فضرب وحبس، وأخذ ماله وقطع لسانه، وعزل ناصر الدين الدواتدار، وضرب وصودر، وأخذ منه مال جزيل، وأبعد إلى القدس، ثم قطع لسان ابن مقلد مرة ثانية، فمات آخر اليوم. قلت:
أوصيك فإن قبلت مني ** أفلحت ونلت ما تحب

لا تدن من الملوك يوماً ** فالبعد من الملوك قرب

ومات بحلب أمين الدين عبد الرحمن الفقيه الشافعي المواقيتي، سبط الأبهري، وكان له يد طولى في الرياضة، والوقت والعمليات، ومشاركة في فنون، وكان عنده لعب، فنفق عند الملك المؤيد بحماة، وتقدم، ثم بعده تأخر وتحول إلى حلب، ومات بها.
قلت وأهل حماة يطعنون في عقيدته. ويعجبني بيتان، الثاني منهما مضمن لا لكونهما فيه، فإن سريرته عند الله، بل لحسن صناعتهما وهما:
إلى حلب خذ عن حماة رسالة ** أراك قبلت الأبهري المنجما

فقولي له ارحل لا تقيمن عندنا وإلا فكن في السر والجهر مسلما ومات الزاهد الولي أبو الحسن الواسطي العابد محرماً ببدر، قيل إنه حج وله ثمان عشرة سنة، ثم لازم الحج وجاور مرات وكان عظيم القدر، منقبضاً عن الناس. وفيها في ذي الحجة مات الأمير الكبير مغلطاي كان مقدم ألف بدمشق، وماتت الشيخة المسندة الجليلة أم محمد أسماء بنت محمد بن صصري، أخت قاضي القضاة، نجم الدين، سمعت وحدثت وكانت مباركة، كثيرة البر، وججت مرات، وكانت تتلو في المصحف وتتعبد قلت:
كذلك فلتكن أخت ابن صصرى ** تفوق على النساء صبي وشيبا

طراز القوم أنثى مثل هذي ** وما التأنيث لاسم الشمس عيبا

ومات أيضاً بد مشق، عز الدين إبراهيم بن القواس بالعقيبة، ووقف داره مدرسة، وأمسك حاجب مصر سيف الدين إلماس، وأخوه قره تمر، ووجد لهما مال عظيم.